نشر في
كثُر الحديث عن مفهوم الاستدامة الاقتصادية، ومثّلها البعض على أنها الاستمرارية فحسب، دون الخوض في جوهر ما يميز النظام الاقتصادي المستدام عن الريعي. الاقتصاد الكويتي يا سادة قائم على إيرادات ناتجة من التصدير إلى الخارج، إذ تصب في أقطاب تجارية داخلها، فالقطب الأول «١» الذي يمثل القطاع الحكومي، يدار بمنهجية مركزية بواسطة الهرم الإداري في الدولة، أما القطب الثاني «٢» ممثلاً بالقطاع الخاص، فيدار بمنهجية منفصلة بواسطة أطراف مختلفة، ولكل طرف فيه قراراته المبنية وفق معطيات الاقتصاد الكلي للدولة وحالته الخاصة.
ونظرا إلى مجريات الاقتصاد الكلي ومعطيات السياسات المعمول بها في حدود الاقتصاد الكويتي، فقد تكونت لدينا ثلاثة أقطاب أخرى فرعية تندرج من القطب «٢» الذي يشكل القطاع الخاص، تفصّل على النحو التالي: الفرع الأول «أ»، هو الأكبر حجما، وهو القطاع الخاص القائم على إيرادات ناتجة عن استهلاك موظفي القطب «١» (القطاع الحكومي)، والقطب الثاني «٢» (القطاع الخاص)، أما الفرع الثاني «ب»، وهو أقل حجماً من القطب الذي يعلوه، ويشكل القطاع الخاص القائم على إيرادات المناقصات والممارسات التي تلبي احتياجات القطب الأول «١»، وأخيرا، الفرع الثالث «جـ»، وهو الأصغر حجما بينها، ويختص بالقطاع الخاص الذي يعتمد على إيرادات عمليات التصدير الخارجية.
وبناء على ما تقدم، فإننا نصل إلى نتيجة تشير إلى أن الاقتصاد الكويتي قائم حصرا على: أولا، إيرادات تصدير القطب «١» (الحكومي)، ثانيا، إيرادات تصدير الفرع الثالث «جـ» التابع للقطب «٢» (القطاع الخاص) فحسب. وعليهِ، فبما أن «جـ» هو الفرع الأصغر في القطب الثاني «٢»، وأن «أ» و«ب» تعتمد إيراداتهما على كل من «١» و«٢»، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن وزن اعتماد الاقتصاد الكويتي على القطاع الحكومي يفوق وزن اعتماده على القطاع الخاص بفارق شاسع وبشكل جلي. وبما أن إيرادات الصادرات النفطية للقطب «١» تشكل ما نسبته أعلى أو أدنى بقليل من ٩٠ في المئة من إجمالي الإيرادات، فهذا يعطي مؤشرا آخر إلى أن الاقتصاد الكويتي، بجميع أقطابه، شبه قائم على ريع تلك الصادرات النفطية.
ولعل التحدي يكمن هنا في قلب موازين المعادلة، وذلك من خلال نقل هذا الاقتصاد إلى اقتصاد جديد، وتغيير مفاهيمه، وإعادة تشكيل معناه. نقلة يكون بها وزن الاعتماد على «جـ» أكبر من وزن الاعتماد على «١»، أي اقتصاد قائم على إيرادات تصدير القطاع الخاص (إنتاجيته) لا على إيرادات القطاع الحكومي الناتجة من تصدير النفط، أو أي مورد طبيعي آخر، إلى الخارج.
ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا في ظل وجود بيئة استثمارية ذات تربة خصبة وإنتاجية صحية، تساعد على صنع قطاع قادر على تصدير صادرات تضاهي بوزنها وزن الصادرات النفطية الحالية. على عكس بيئتنا الحالية التي نعيش تحت سقفها، فما نطمح إليه هو خلق بيئة تدر لخزينة الدولة إيرادات غير نفطية، كإيرادات الخدمات والضرائب والرسوم الجمركية وغيرها. بذلك تكون تلك البيئة بعينها المتسبب والمساهم الأول في حل كبرى المعضلات التي تواجهها الدولة، مخفضة عبء الدولة فيما يتعلق بتوفير الفرص الوظيفية للمواطنين.