نشر في
تباينت الفتاوى واختلفت في ما يخص اكتتابها، بين تحريم الاستثمار به، وإجازته، ووجوبه! لتترك المجتمع يتناقل الأحاديث المفندة لكل فتوى، يخوض فيها بمحض نقاشات عقيمة لا ناقة فيها ولا جمل. فلله درّك يا «شركة شمال الزور الأولى للطاقة والمياه»!
حجة الفتوى الأولى تتلخص بارتفاع نسبة الديون «الربوية» للشركة، بما يعني أن الاستثمار في هذا الاكتتاب محرم؛ إذ تأتي الحجة هنا بمفهوم ضمني، وهو إجازة هذا الاستثمار إن كانت تلك الديون «غير ربوية»، ونقصد بغير الربوية هنا ما يأتي من الأدوات التمويلية المقدمة من البنوك القائمة بما يعرف بـ«التمويل الإسلامي»، لا القروض الحسنة.
وفي حال ضعف بصيرتنا بماهية النظام المالي، فقد تبدو لنا الفتوى منطقية، ويكون هذا المنطق صحيحاً نسبياً قبل عام ١٩٧١، الذي ألغي به ارتباط العملة بالذهب، فتحولت به العملات النقدية من «عملات سلعية» إلى «عملات فيات»، مما كان له دور محوري في التأثير على «علة الثمنية» للعملات المتداولة. فالمحدودية والحفاظ على القيمة – أساس العلة – غير قائمين في «الفيات» مثل قيامهما بـ«السلعية»، فالتضخم والانكماش، وفوائد البنوك المركزية وقوانينها لخفض ورفع المعروض النقدي، جميعها تؤثر في قيمة العملة، أيا كانت أدوات التمويل المستخدمة، وأينما أُودِعت الأوراق النقدية، حتى مع انعدام العلاقة بين أموال البنوك والبنك المركزي. بذلك، فإن هذا – وفق المنطق – لا يجيز ما يعرف بالبنوك الربوية، بل إنه يحرم ما يعرف بالبنوك الإسلامية.
ودون الخوض في فتوى الإجازة، فإن الفتوى الثالثة تحلل قروض الشركة بعقلانية مقارنة بنظائرها، فهي ترى أن عدم جواز فوائد القروض لا يبطل عقد أصلها، إذا كان الأصل مباحاً ولأهداف مباحة، ولطالما كان هناك سعي الى خفض تلك الفوائد، وكانت توابع الفوائد أقل من توابع الأصل. أما في الاستثمار، فالفتوى ترى بوجوبه كون الشركة معنية بإدارة أمور مرتبطة بالبنية التحتية للوطن ارتباطا يحميها ممن لا ولاء لهم لهذا الوطن، مضيفة وجوب سعي مجلس إدارتها الى خفض فوائد تلك القروض.
فـ«الوجوب» يأتي كأكثر الأمور إثارة للجدل، فعلى الرغم من كونه نابعاً من باب قضاء الفوائد الربوية وحجب الاستغلال، فإن أساسه خارج عن المنطق. هناك تباين بين الناس في الطباع والعرف، والخلق والسيرة، والمحبة والكراهية، والعلم والجهد، والطاقة والعمل، ولا يمكن افتراض انعدام هذا التباين أو وجود الولاء المطلق توازياً مع التزامهم بالفتوى، أو افتراض عكس ذلك عند عدم التزامهم. ولنا في فساد بعض المؤسسات الدينية خير مثال.
أخي المواطن، أختي المواطنة، إن ما يجب أن يحكم قرارك بالاستثمار في هذا الاكتتاب هو العائد المحاسبي من ورائه. فبعد الاِطلاع على القوائم المالية للشركة من عام ٢٠١٥ إلى ٢٠١٨ تبين لنا أنه:
أولاً: على الرغم من ارتفاع نسبة المطلوبات من الموجودات، والتي شكلت ٩٣٪ في ٢٠١٥ و٩٢٪ في ٢٠١٦ و٨٩٪ في ٢٠١٧ و٨٤٪ في ٢٠١٨، فإن الشركة تمكنت من خفض الدين بمعدل أسي، وهو أمر جدير بالإشادة.
ثانيا: هناك ارتفاع بمعدل أسي في الإيرادات، وتشكل من القيمة الاسمية للشركة –١١٠ ملايين د.ك.– ما نسبته ٦٪ في ٢٠١٥ و٨٪ في ٢٠١٦ و٢٧٪ في ٢٠١٧ و٤١٪ في ٢٠١٨، وهذا نتيجة للتوسع المخطط له.
ثالثا: هناك ارتفاع وبمعدل أسي في الأرباح، وتشكل من القيمة الاسمية للشركة ما نسبته سالب ١٠٪ في ٢٠١٥ و٥٪ في ٢٠١٦ و١٥٪ في ٢٠١٧ و٢٧٪ في ٢٠١٨، ونلاحظ هنا أن الارتفاع في نسب الإيرادات والأرباح يوازيه انخفاض في نسبة المطلوبات.
رابعاً: بناء على تلك القراءات وقراءات أخرى، تبين أن سعر ١٠٠ فلس للسهم الواحد يعد سعرا منخفضا. وعليه، وفي حال استمر أداء الشركة على هذا النحو أو أفضل، فإن الاستثمار في هذا الاكتتاب يعد خطوة مجدية «محاسبياً».
خامساً: بناء على قراءات «الانحدار الخطي»، وفي حال استمر أداء الشركة على هذا النحو أو أفضل، واعتباراً لما تفرضه حوكمة الإدراج، فإن قيمة السهم «تنبؤياً» قد تصل بعد الإدراج وبقيمة متحفظة إلى الضعف كحد أدنى.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد،،،