د. حمزة السالم و«بتكوين» .. جبهة حرب في «ثمانية»
عبدالله بن سالم العبدالله السلوم
نشرت في 2020/03/04 و تم طلب نسخة الطباعة في 2024/10/14
في حلقة تسرقك بتفردها، آخذة بيدك من فكرة لأخرى ومن تحليل لآخر، يطل علينا د. حمزة السالم مع أ. عبدالرحمن أبو مالح من إذاعة «ثمانية»، في حلقة بعنوان «الاقتصاد ابن الغرب مع حمزة السالم | بودكاست فنجان»، حلقة لا يمكن أن ننصف لها وصفًا إلا أنها اصطبغت بجمال يشبه ضيفها وقناتها المستضيفة، وكالعادة.. قلمّا يملك المرء خيارًا في كبح إضافةٍ يظنها محض صدفة إلا أنني أجزم والعلم عند الله أن أستاذنا حمزة استقصد أو لم يستقصد —بحسن ظن— أن يجر المتلقي لتقصيها بإثرائه الذي بدت أراه سجية وطبعًا فطريٍ لا يملك أمامه سبيلا، فلعل كتابتي لهذا المقال لم تأتِ بدافع التعقيب، بل بقصد التقدير للمحتوى الحقيقي الذي أضافه كل من الضيف والمستضيف.

نقطة الخلاف — جبهة الحرب

ابتدأ حوار العملات المشفرة، أو «بتكوين» على وجه الخصوص، في الدقيقة ٠١:٤١:١٥، فأدركت حينها عدم تطابق جبهات النقاش لاستخراج وجهة النظر المطلوبة في هذه الجزئية. فالمستضيف يحارب محاولًا إظهار مميزات العملات المشفرة على الصعيد التطبيقي والتقني وحسب؛ الأمر الذي لم يمس حجة الضيف بشعرة. فعدته وعتاده تحوي أساسا اقتصاديا بحتا وواضحا، وهو تطابق منهجية العملات المشفرة بمنهجية المال المرتبط بالذهب قبل عام ١٩٧١، على أن شيوع استخدامها يعيدنا إلى ذلك العصر غير الصحي اقتصاديا، على اعتبار أن عصرنا الحالي —بعد عام ١٩٧١، أي بعد فك ارتباط العملات بالذهب— أفضل بكثير اقتصاديا. تأتي حجة الضيف مبنية على مبدئي الإنتاجية والتسعير، وترابط علاقتهما ببعضهما من خلال المال أيا كان أساسه.



وجهة نظر الضيف — خط الدفاع

ما يود الضيف إيضاحه يتلخص بأن العملات المشفرة، والتي تتطابق بمنهجيتها مع العملات المرتبطة بالذهب، سينتج عن شيوعها انخفاضا في الإنتاجية. والسبب وراء ذلك —بنظره— بسيط، وهو أن الذهب والعملات المشفرة تعد مالا سلعيا محدودا لا يزداد بزيادة الإنتاج للسلع الأخرى. وعليه، كلما زاد الإنتاج مع ثبات المال السلعي، انخفضت الأسعار، محفزة بدورها الادخار لا الاستثمار، في سبيل تقصي انخفاض أسعار السلع.

أما المال الورقي غير المقترن بالذهب والمنافي لمنهجية العملات المشفرة، فتقوم البنوك المركزية بزيادة كمية المعروض منه أو خفضها تزامنا مع حجم الإنتاج، وذلك للمحافظة على ثبات أسعار السلع أو تضخيمها تدريجيا —بتعديل فائدة البنك المركزي على سبيل المثال— تحفيزا للاستثمار لتعزز بذلك الإنتاجية.

التحليل — خط الإمداد

لا شك في أن ما تفضل بشرحه الضيف جدير بعرقلة تطور العملات المشفرة وشيوعها، خاصة في عصر قائم على المال الورقي المدار من بنوك مركزية عالمية تتفق مع بعضها في مثل هذا الشأن. ولكن، يأتي هذا التحليل لمناقشة هذا الفكر لإدراك حقيقته ومنطقيته خارج الصندوق دون انحياز مؤدلج مبني على تطبيقات سابقة لنظريات جيّرت في عصر له قوى سياسية مختلفة. فهذه الجزئية كانت ولا زالت محض نقاشات بين العديد من الباحثين في المجال الاقتصادي، وهنا تمت إثارة هذا الشأن في الدقيقة ٠٠:٠٩:٠٠ في ندوة «العملات المشفرة في حقبة المال الورقي» لمؤتمر بنك الرياض المنعقد بمدينة جدة في أبريل ٢٠١٨.



في عصرنا الحالي —عصر المال الورقي— تنخفض قيمة المدخرات سنويا إذا لم يتم إعادة استثمارها بأصول أخرى. وكأن المال الورقي لا يعد مخزنا للثروة التي كانت نتاج جهود لعقود من الزمن. والسبب وراء ذلك هو التضخم المتراكم سنويا في أسعار السلع نتيجة لارتفاع المعروض النقدي الذي جاء بدافع تحفيز الاستثمار والإنتاجية. بذلك، تجد أن جهد المرء الذي حوّل إلى مال ورقي قد ضاعت تراكمات منه وبشكل متتابع سنويا نتيجة دخول شخص جديد في سوق الإنتاج.

ففي عصر المال الورقي عُزز مفهوم الفائدة على القروض. والسبب وراء ذلك أيضا يكمن في تراكم التضخم لسنواتٍ عِدة في أسعار السلع نتيجة لارتفاع المعروض النقدي الذي جاء بدافع تحفيز الاستثمار والإنتاجية. وتبعًا لذلك أصبح الاقتراض من أجل الإنتاج أمرا مكلفا صيرَّه كل ما ذكر آنفًا ليصبح خيارا ثانويا للاستثمار.

أما في العصر النظري للمال السلعي المحدود، فإن انخفاض أسعار السلع لا يحصل إلا تزامنا مع الزيادة في الإنتاجية. والجدير بالذكر هنا هو أن ارتفاع معدل الإدخار ينتج عنه انخفاضا في معدل الإنتاجية، والعكس بالعكس. أي كلما كثر من اعتد بمنهجية عدم الاستثمار الإنتاجي لقصد الادخار؛ بدافع انتظار انخفاض أسعار السلع، سيتسبب ذلك في حدوث نتيجة معاكسة تنخفض فيها كمية السلع، وترتفع فيها الأسعار دون انخفاض.

ففي هذا العصر النظري أمر محفز للإقراض يأتي بقصد تحقيق الإنتاجية، وإن لم تكن بفوائد بسيطة فانعدامها وارد جدا. والسبب وراء ذلك أمر بغاية البساطة، ينبع من إدراك العامة للعلاقة الحقيقية والمنطقية لمبدئي الإنتاجية والتسعير. فحين يدرك الناس بأن المصدر الحقيقي لتحفيز الإنتاج هو الإقراض، يكونون على يقين تام بأن الأسعار لن تنخفض تزامنا مع الإدخار، والسبب هو عدم زيادة الإنتاج مع ثبات كمية المال السلعي. وبالتالي، سيكون الإقراض أمرا ميسرا من دون الفوائد التي اعتدناها بالمال الورقي، سعيا لأن يكون العائد على الإقراض هو الانخفاض بقيمة السلع مستقبلا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حين يكون سعر الكرسي ٢٠ دينارا، ويقرض الشخص آخرا مبلغ ١٠٠ ألف دينار لتأسيس مصنع آخرا للكراسي، على أن يرجع أصل القرض بعد ٦ سنوات دون فوائد، فنتيجة لارتفاع المعروض من الكراسي بعد هذه الفترة، ينخفض سعرها إلى ١٣ دينار. فالانخفاض في سعر الكرسي الواحد بتلك الـ ٧ دنانير هي ما يجب أن يعد عائدا على الإقراض. قس على ذلك الإقراض في جميع المجالات.

الاعتقاد — الغنائم

إن الاعتقاد المطلق بأن الاقتصاد في عصر المال الورقي يعد صحيا أكثر من الاقتصاد في عصر المال السلعي أو العملات المشفرة، أو العكس، لهو حصار جائر تقصي فيه النفس البشرية بعيدًا عن حدود المنطق والفكر المنفتح. فلكل من تلك الحالتين معطيات وحقب سياسية مختلفة أسهمت بلا شك في بلورة النتائج التاريخية التي شهدناها على مر الزمن.

جاء هذا المقال غنيمةً من جبهة النقاش المثرية تلك، وفرصةً لفتح باب التأمل في أفق لطالما كان واسعا بمرأى البصيرة ضيقا بعين البصر، قصدت هنا تبيان المعتقد الذي يحاكي العقل والمنطق مهمشا التأدلج بنتائج قرارات تاريخية، سياسية كانت واقتصادية، أقرها السياسي «فلان» أو الرئيس «علان» رويت لنا بذاكرة المؤرخ «عليان» أو بمخيلة الكاتب «سعيدان».

فإن كان لك عقل .. فحاكه!
عبدالله بن سالم العبدالله السلوم

الموقع الإلكتروني: /abdullah.com.kw
البريد الإلكتروني: contact(at)abdullah.com.kw
مواقع التواصل الإجتماعي: alsalloumabdul