نشر في
شاءت الأقدار أن تكون الورقة النقدية، التي بين أيدينا اليوم، هي ذاتها ما يحفز كل من بذل جهدا في عمله. وكأن كنز تلك الأوراق أصبح هدفًا يُصاب به بدلاً من أن تكون وسيلة بحد ذاتها لتحقيق غاية حقيقية كـ«الاستفادة». فغمامة الأمر كفيلة بالتأثير في فكر المرء وآليات عمل تجارته، مستهدفة كمية المال الذي يجنيه في حين تجاهلها في الوقت نفسه للاستفادة التي قد يتلقاها مقابل ما جناه من مال. فالأمر مازال مريبا على الرغم من حضور المفاهيم الحسابية؛ كالقيمة الحالية والقيمة المستقبلية للمال، واللتين تستمدان أساسياتهما من القيمة الزمنية للمال المبنية على الفائدة.
إن المرء، ووفق أساسيات الاستخدام الأمثل للموارد، يسعى لتحقيق أعلى عوائد نقدية ممكنة بأقل جهد ممكن، محققًا بذلك مقياسا لنجاح عمله أو إنجازه. فإن كان ذلك يعد الطريق الأمثل للنجاح نظريًا فلا شك من أنه سيكون الطريق الذي يلتفت إليه كل من يسعى لتحقيق هذا النجاح التقليدي. نجاح يعتبر الورقة النقدية غاية لا وسيلة تحقق الفائدة التي قد تأتي مقابلها. وكون هذا الطريق هو الأمثل نظريًا فذلك بحد ذاته ما سيجعله مكتظا بكل من يسعى قاصدا النجاح، صانعا منافسة شرسة قد تكون لا أخلاقية. تلك المنافسة هي ما قد يؤثر سلبا في ما سيتلقاه المرء من استفادة مقابل ما يجنيه مقابل الورقة النقدية!
عوائد تجارتك أو راتبك الشهري لا تعادل شيئًا إن لم تحقق بها ما يسعدك أو يسد احتياجاتك اليومية، أو «تأتي لك باستفادة تكلفك قيمة مستقبلاً». فإن المال- باختصار شديد- ما هو إلا جسر متذبذب بين الجهد الذي يبذله المرء والاستفادة التي يتلقاها، واللذين يعتبران أقل تذبذبًا منه؛ مما يوجب على المرء في هذه الحالة أن يأخذ في عين الاعتبار أساسيات الاستخدام الأمثل للموارد من خلال تحقيق أعلى استفادة خارج نطاق كم المال بأقل جهد ممكن. فالاستفادة هنا هي ما يمكن تحقيقه بما يجري جنيه من مال جراء العمليات التجارية. وأخذ تلك الاستفادة بعين الاعتبار سيحد من الخسارة الناتجة عن تذبذب الجسر الرابط بين جهد المرء واستفادته.
فلا ريبة ولا خوف إن كانت تجارتك قائمة وتتوسع بشكل جيد من دون تدفق نقدي ملحوظ. فما إن تحقق تلك التجارة ما هو مطلوب لسد احتياجاتها واحتياجات مالكها فستكون أفضل من أي تجارة أخرى شهدت تدفقًا نقديًا زامنه عجز يتعذر بجعلها قائمة أو قابلة للتوسع. فالعلاقة بين الجهد وما يجري جنيه مقابله من مال لهو أمر أساسي ومهم يجب الإلمام به، كما أن العلاقة بين المال وما يمكن الحصول مقابله من استفادة لا تقل أهمية أيضا. ولذلك، ليكن سعي حساباتك متجها إلى ما ستحققه من استفادة لا إلى ما ستجنيه من مال متذبذب معتقدا بأنه هو الغاية!