نشرت في
2017/04/05 و تم طلب نسخة الطباعة في
2024/10/14
نشر في
[القبس]
التقيت في زيارتي الأخيرة إلى الرياض أحد أبرز الأساتذة والمفكرين في المجال الاقتصادي في المملكة، والذي يتمتع ويستمتع ويمتع بفكره، الفكر المبني على تفكير خارج الصندوق. وإن اختلفت معه في بعض استنتاجاته، فلا يمكن إخفاء عشقي للأبواب التي يفتحها فكره لفكري في الأمور المتعلقة في الاقتصاد المالي والكلي. استغللت زيارتي له وسألته عن رأيه بالنظام المالي الحالي «الفيات أو الورقي» غير المرتبط بالذهب، والذي تم اعتماده في عام ١٩٧١ من قبل ريتشارد نيكسون، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، وما إذا كان أفضل من النظام السابق «السلعي» المرتبط بالذهب.
كانت رؤيته تميل إلى تفضيل النظام المالي الحالي، التفضيل المبرر بمعادلة بسيطة، وهي أن إجمالي النقد يساوي أسعار السلع مضروبة في عددها. فعند قلب المعادلة تكون أسعار السلع مساوية لإجمالي النقد مقسوما على عددها. فكون الذهب سلعة نادرة من الطبيعة، وكون النظام السابق مرتبطا به، فهذا يجعل من كم إجمالي النقد العامل الثابت؛ الأمر المسبب لانخفاض أسعار السلع كلما زاد إنتاجها. وبالتالي لن تجد من يستثمر أمواله اليوم ليزيد الإنتاج لأنه لن يحقق ربحا «دفتريا» مستقبلا، كون السلع الجديدة ستباع بسعر أقل من سعرها اليوم. أما في النظام المالي الحالي فإجمالي النقد متغير بسبب عدم ارتباطه بسلعة نادرة، ويمكن ضخه وسحبه حسب الإنتاجية لتبقى أسعار السلع ثابتة أو في ارتفاع بسيط.
الأمر بدا بالنسبة لي بوابة جديدة للتفكير خارج الصندوق أيضا. فأنت اليوم تبذل «جهدا» من أجل مال تستطيع استهلاكه للحصول على أمور تخلق لك «استفادة»، مادية كانت أو معنوية، وبناء على ذلك يكون المال جسرا بين هذا «الجهد» وتلك «الاستفادة». وبه يأتي التساؤل، ما الذي تجب مقارنته بعد الاستثمار المسبب لزيادة الإنتاج؟ سعر السلعة قبل وبعد الاستثمار؟ أم كم الاستفادة المحصلة من سعر السلعة قبل وبعد الاستثمار، حتى وإن انخفض؟!
نظريا، ومع ثبات جميع العوامل الأخرى، ففي النظام السابق تنخفض الأسعار فقط إن كانت الزيادة في الإنتاج تلبي احتياجات حقيقية. أما اليوم فالأمر مختلف، فتتم عملية الزيادة في التدفق النقدي مع زيادة الإنتاج سواء كانت تلك الزيادة تلبي أو لا تلبي احتياجات حقيقية؛ الأمر المسبب لانخفاض «الاستفادة» لصانعي زيادة في إنتاج ملب لاحتياجات حقيقية من أجل تعزيز «الاستفادة» لصانعي زيادة أخرى في إنتاج غير مفيد.
لا شك في صحة منطق انخفاض الأسعار «نظريا» ولكن ليس السعر إلا رقما لا حول له ولا قوة، فما يباع بدينار يباع بثلاثة دولارات. فليس السعر هو ما يجب اعتباره، بل كم الاستفادة المتلقاة مقابل السعر المتغير على مر الزمن. قد تستثمر دينارك اليوم بدلا من شرائك كتابا بدينار؛ الاستثمار المسبب لزيادة في الإنتاج الملبي لاحتياجات حقيقية والتي بها انخفض سعر الكتاب إلى النصف، وبه قيم مشروعك بدينار ونصف الدينار، التقييم الذي يأتي لك بثلاثة كتب، الأمر المحقق لكمية «استفادة» أعلى بـ«سعر» أقل!