نشر في
في الكويت، هجوم المواطن على الوافد بات الأمر الواضح مؤخرا، الذي نجد فيه تمجيدا شعبيا لأي قرار اقتصادي يقيد من استهلاك الوافد لموارد الدولة، ومعارضة شعبية شرسة لأي قرار آخر يسعى إلى تحسين المستوى المعيشي له أو لتقليل القيود عليه. وجهات نظر شعبية كانت نتاج إخفاقات على مستوى السلوك التنظيمي والإداري في مؤسسات الدولة، إخفاقات صنعت العداوة ورسخت مبدأ «المواطن أحق في خيرات البلد»، وكأن الخيرات عبارة عن صندوق سيادي توزع ملياراته على العامة، لا أداء اقتصادي وسياسي لدولة كاملة. فالسلوك الإداري والتنظيمي عبارة عن أداة لتحقيق هدف اقتصادي كرفع إجمالي الناتج المحلي، وعلى تلك الأداة التكيف بشكل مرن لتحقيق هذا الهدف، لا العكس!
قامت أسرتك الكريمة بتأسيس شركة عائلية، تم تعيينك فيها رئيسا تنفيذيا. قمت بتوظيف العديد من الأشخاص ليقوموا بمهام الإدارة والإشراف. فمنهم أبناء أسرتك ومنهم أبناء أسر أخرى، ولا يميّزهم سوى الأداء الوظيفي. تفاوتت كفاءات العاملين في الشركة، فهناك من هو من أبناء أسرتك تتجاوز كفاءته آخرين من أبناء عمومته أو من أبناء الأسر الأخرى، والعكس صحيح. كانت آلية العمل واضحة في نطاق السلوك التنظيمي والإداري؛ حيث تكون مخصصات الموظف وعلاواته محددة بناء على الأداء الوظيفي فقط. بذلك تجد العديد من أبناء الأسر الأخرى بمستحقات تزيد على مستحقات بعض أبناء أسرتك بسبب تباين الكفاءة بينهم، والعكس صحيح. وبناء على تلك الآليات، والعديد غيرها، حققت الشركة الربح المقبول في سنتها الأولى!
لكل من الموظفين طموح يسعى إلى تحقيقه «على المستوى التنظيمي والإداري»، كالحصول على أعلى راتب ممكن. فهناك من يجتهد في تحسين أدائه الوظيفي، وهناك من يجتهد في تغيير سياسة اعتمدها النظام بسياسة أخرى تتوافق مع المعطيات التي لديه، مثل زيادة مخصصات الموظف إن كان من أبناء الأسرة، بعذر «ابن الأسرة أحق في خيرات شركة الأسرة». خضوع الشركة لمثل هذه السياسات يزيد من تكاليفها التشغيلية بلا شك، ويقلل من كفاءة إنتاجها، حيث يواجه موظفون «بكفاءة أعلى» من أبناء الأسر الأخرى سياسة محبطة تميّز موظفين آخرين «بكفاءة أقل» بحجة أنهم من أبناء الأسرة! فزيادة التكاليف وانخفاض كفاءة الإنتاج كانا سببا رئيسيا في تقليل أرباح الشركة في السنة الثانية، مسببة إخفاقات «على المستوى الاقتصادي». الانخفاض في الربح، الذي مس جميع المستثمرين من أبناء الأسرة، كان هو تكلفة سياسات مماثلة!
إجمالي الناتج المحلي، المعيار الاقتصادي الأكثر أهمية، يجب ألا يلتفت إلى قضايا أدوات تستخدم لتحسينه بل يجب على تلك الأدوات التكيف من أجله! التساؤل هو، ومن خلال القرارات الاقتصادية، هل يجب تفضيل «مواطن بكفاءة أقل» على «وافد بكفاءة أعلى» على حساب «جميع المواطنين»؟ أم علينا إصلاح تلك الأدوات تزامنا مع قرارات تهدف إلى تحويل السوق من مغلقة إلى مفتوحة؛ السوق التي لا تمييز فيها بين الوافد والمواطن؛ والذي به تخلق المنافسة الشرسة الداعمة لاقتصاد مستدام؟