نشر في
كثرت التساؤلات مؤخرا حول مدى جدوى إدراج أرامكو السعودية في الأسواق العالمية كونها صانع للسوق ومتحكم رئيسي به، وحيال ما نقل عن الصحف العالمية بشأن مخاوف الإدراج في بورصة نيويورك NYSE الناتج عن قانون جاستا المقر بأغلبية ساحقة في الكونغرس، والتي كسرت فيتو الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان معارضا لهذا القانون كونه يؤثر على العلاقات السيادية بين دول العالم والولايات المتحدة. وأشارت الصحف إلى بورصة لندن كبديل لبورصة نيويورك. وقبل التطرق لجدوى هذا الإدراج، هل يجب أن يكون هناك مخاوف تجاه قانون جاستا لو تم الإدراج في NYSE؟ أم أنها فرصة لصد هذا القانون عن المملكة العربية السعودية؟
جاستا - قانون العدالة ضد داعمي الإرهاب - يتيح لضحايا الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة مقاضاة الدول المشتبه بها في دعم تلك الهجمات. بالتالي، دخول سيادات تلك الدول في تحقيقات المحاكم قد يزامنه تجميد أرصدة وأصول خاصة بها. تجميد قد يعطل مصالح تلك الدول ويستخدم كورقة رابحة للضغط سياسيا عليها. إدراج أرامكو في بورصة NYSE - فنيا - هو نقل تدفقات نقدية من مستثمرين في السوق الأمريكي إلى صندوق الاستثمارات العامة الذي يدار من العاصمة السعودية الرياض. فما سيبقى في نيويورك عبارة عن صكوك ملكية للمستثمرين بقيمة تتحكم بها المملكة في أراضيها. وقانون جاستا له تأثير على المملكة سواءا كان الإدراج لأرامكو في نيويورك أو لندن إذا ما كان لأرامكو أصولا في الولايات المتحدة فقط. وفي حال إدراج أرامكو في NYSE وتزامن مع ذلك قضايا تستغل جاستا ضد المملكة، فالمتضرر الأول والأخير هم المستثمرون في NYSE فقط، كونهم وثقوا في هذا السوق والشركات المدرجة به. استغلال هذا القانون ضد أرامكو سيكون له تأثير سلبي مباشر على مؤشرات NYSE، والتي هي قلب الاستثمار الأمريكي، ومما لا شك فيه أن هذا الأمر قد يكون شرارة لأزمة اقتصادية عالمية. أما المملكة فقد حولت سيولتها التي اقتنتها من مستثمري نيويورك إلى صندوقها في الرياض. لذلك، فإدراج أرامكو في نيويورك قد يكون بمثابة حاجز منيع ضد استخدام جاستا للضغط على المملكة العربية السعودية سياسيا.
أما التساؤلات الأخرى فتتمحور حول مدى الحاجة من الإدراج إن كانت أرامكو صانعة لسوق النفط، وباستطاعتها التحكم بالأسعار من خلال خفض الإنتاج! ولا شك في أن هذا التخفيض سيزامنه خسارة في الحصة السوقية، لصالح المنافس الآخر. استعادة تلك الحصة أمر صعب جدا ويتطلب تنازلات قد تفوق قيمتها حجم الاستفادة في ارتفاع الأسعار. فلثبات الحصة السوقية يتوجب على جميع ملاك الحصص الكبيرة خفض إنتاجهم معا. وهل سيتم ذلك؟ بالطبع لا، لأن أرامكو - easy to fail - وصناعة السوق لديها أتت بسبب عقود البيع فقط! أما إن كانت مدرجة في نيويورك فأي تأثير سلبي عليها يؤثر مباشرة على مؤشرات NYSE ، الأمر الذي يجعل سياسيي الولايات المتحدة يقفون في صف أرامكو ضد مصدّري النفط في العالم من أجل مصالح أرامكو؛ لكيلا يتأثر الاقتصاد الأمريكي. هنا يمكن القول بأن أرامكو - too big to fail - لقدرتها على التحكم بقرارات منافسيها، بالإضافة إلى حجم عقود البيع التي تملكها.