نشرت في
2017/05/14 و تم طلب نسخة الطباعة في
2024/10/14
نشر في
[القبس]
يلتفت العديد من سياسيي واقتصاديي الخليج إلى مؤشر نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي، ويفترض أغلبهم بأنه قد حان الوقت ليكون هذا المؤشر على النحو السليم والصحي اقتصاديا، لتبلغ نسبته ما يقدر بـ 30% في عام 2020. والمعضلة المخجلة هي أن يتم افتراض مدى سلامة وصحة هذا المؤشر من خلال قراءة «النسبة» نفسها فقط، وتجاهل «ما سيتم فعله في هذه النسبة».
ولإدراك مدى سلامة وصحة مؤشر نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي، فإنه يتوجب علينا أولا فهم العوامل المؤثرة على مؤشر إجمالي الناتج المحلي لوحده! ففي حدود الدولة وبشكل سنوي، يساهم ارتفاع كل من الاستهلاك المحلي والمصاريف الحكومية والاستثمار والصادرات في ارتفاع مباشر لهذا المؤشر، وفي الجهة المقابلة فإن ارتفاع الواردات تؤثر سلبا وبشكل مباشر على ذات المؤشر. والجدير بالذكر أن تلك العوامل ترتبط ببعضها البعض بشكل مريب، فقد يعتقد البعض أن المنح الحكومية تسبب ارتفاع في كل من المصاريف الحكومية والاستهلاك المحلي، وقد ترفع مؤشر إجمالي الناتج المحلي بشكل مباشر. ولكن ما يجب أخذه في الاعتبار، هو أن الاستهلاك المحلي قد ينتج عنه زيادة كبيرة في واردات الدولة والتي قد توازن الارتفاع في كل من المصاريف الحكومية والاستهلاك المحلي، مسببة لشبه عدم تأثر هذا المؤشر.
فالرفع الصحي لإجمالي الناتج المحلي يجب أن يكون إذا وفقط إذا ما تم تحفيز الاستثمارات المحلية عن طريق استقطاب رؤوس الأموال الخارجية، والتشجيع على الصناعة المحفزة للصادرات والمخفضة للواردات. ولخلق بيئة تعمل على التحفيز فمن الطبيعي أن تكون هناك تكلفة يغطيها الارتفاع في الدين العام! فإن كان هذا الارتفاع سيبلغ اليوم 30% من أجل تعزيز مؤشر إجمالي الناتج المحلي بشكل صحي، فتلك النسبة ستنخفض غدا؛ والسبب يكمن في ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بدين عام ثابت. عندها يمكن أن يُرفع الدين مجددا إلى أن يصل إلى 30% من إجمالي الناتج المحلي الجديد، لتستمر نهضة اقتصاد الدولة بتلك الآلية. وفي هذه الحالة يمكننا القول بأن الارتفاع في نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي إلى 30% يعد أمر صحي وسليم، لما صنعه من استدامة مالية!
ولكن! ماذا لو كان هذا الارتفاع في الدين العام لا يقابله «حسب رؤية الكويت 2035» سوى مشاريع تم ضمها بقائمة مشاريع تعزز الاستدامة الاقتصادية «اسميا» وهي «فعليا» بعيدة كل البعد عن الاستدامة الاقتصادية؟ فتلك المشاريع، بشكل أو بآخر، تؤثر سلبا على موارد الأجيال القادمة، إضافة إلى كونها لا تساهم بشكل جذري البتة في تحفيز الاستثمارات أو زيادة الصادرات أو تقليل الواردات. عند إذ فهل سيكون ارتفاع الدين العام إلى 30% أمرا صحيا لاقتصاد الدولة؟
فيا معالي الوزير المختص، إن اقتباس عذر «الأمر الصحي اقتصاديا» من اقتصادات أخرى، وربطه بقضية ارتفاع نسبة الدين العام، لهو أمر لا يقبله عقل عاقل! فلكل اقتصاد معطيات وأهداف، وبالأخص «آليات عمل»، تعلم ونعلم أننا لا نجرؤ على اقتباسها. فإن أردت تبرير ارتفاع هذه النسبة، فعليك توضيح وظيفة هذا الارتفاع في التحفيز الجذري للاستثمارات أو زيادة الصادرات أو تقليل الواردات، فقط!