نشر في
نضج فكر المواطن في تقييم مدى جدوى قضايا الأمة لهو أمر جعل تبني القضايا الاقتصادية الجريئة اتجاها ملهما لمن هم في العقد الثالث من العمر وممن لديهم الطموح السياسي، لتمتلئ الاجتماعات الشبابية بحواراتها حول جدوى استثمارات الصناديق السيادية، وفي ما إذا كان إلغاء المادة الثامنة من «قانون ٤٧ لسنة ١٩٨٢ المعني بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار والمختصة بإدارة تلك الصناديق» والمتضاربة مع «الإفصاح العلني»، قد يكون الأمر المجدي لتحسين أداء تلك الاستثمارات وإدارة مخاطرها.
فتيقن العامة بمدى شراسة التصدي الذي سيواجه مشروع تعديل قانون الهيئة صنع لهؤلاء الشبان اتجاها ملهما آخر، اتجاها يحث على تبني مشاريع بقوانين جديدة، قوانين «تسحب البساط تدريجيا» من الهيئة العامة للاستثمار من خلال استثمارات تدار بواسطة صناديق جديدة مبنية على تلك القوانين، كإنشاء صندوق مشابه لصندوق المشاريع الصغيرة يختص بالمشاريع العملاقة، يتشارك فيها كل من المواطن والحكومة والمستثمر الأجنبي.
نظريا، يعد من الواجب افتراض حسن نية من يتصدى لمشروع «تعديل» أي قانون، والسبب يكمن في أن افتراض سوء نية من طالب «بتشريعه في بداية الأمر» كان أمرا أساسيا، أمر به، وفقط به، يتم استخراج مواد منقحة تتصدى للقضايا المتعلقة بتضارب المصالح والفساد الإداري. فإن لم تكن مواد تلك القوانين قادرة على التصدي الأمثل، فهذا دليل واضح على قصور الدراسة والتحليل اللذين يوجبان العمل المكثف عليهما قبيل التشريع. فحسن نية التصدي اليوم ليست إلا دفاعا عن قانون نجح في اجتياز افتراض سوء نية مسبقة لمن طالب بتشريعه.
ويحث ديننا على افتراض حسن نوايا هؤلاء الشبان بكل تأكيد، ولكن افتراض العكس تماما هو ما تحثه مهنية عملنا، خصوصا إن كان الأمر متعلقا بتعديل قانون أو بتشريع قانون آخر جديد. وهذا الافتراض هو ما سيجبر هؤلاء الشبان على العمل جاهدين في تبرير كل مادة بشكل مفصل يحد من الفساد المبني على لوائح داخلية، والتي عادة تستغل مواد غائمة. وهو أيضا ما سيصنع منهم باحثين مدركين لجميع الافتراضات، مغلقين بها أكبر عدد من الثغرات التي قد تستغل مستقبلا من قبل أشخاص آخرين لا تتطابق نواياهم مع نوايا هؤلاء الشبان، صانعين بها رهبة مستقبلية لتطرق أي مسؤول للجملة الشهيرة «إذا عندك شيء، ارفع قضية!».
بمثال سن قانون تنص مادته على «أولوية التمويل للمشاريع المساهمة بالتنمية الاقتصادية» دليل واضح على ركاكة القانون ومدى سهولة استغلاله بلوائح داخلية تصب في مصلحة فئة ضد أخرى، واستبدالها بـ«أولوية التمويل للمشاريع المحققة لأعلى رفع للصادرات وللاستثمارات المباشرة من الخارج، ولأعلى خفض للواردات»، لهو أمر يحد من استغلال التعديل على اللوائح الداخلية المتعلقة بمعايير المشاريع الممولة، الأمر الذي يتصدى حتما لفساد إداري تقوده مصالح ذاتية لأشخاص قد يقودون الجهة المختصة في المستقبل، صانعا ضمورا واضحا لأي تصد شرس لمثل تلك القوانين.
اجتهاد الشبان في تكريس طاقاتهم في التفصيل المكثف والمهني سواء في مشروع تعديل قانون سابق أو مشروع سن قانون جديد، وافتراضهم لحسن نية من يتصدى لهم بحجة مجدية، هما أمران أساسيان لاستبعاد سن قوانين بأساليب تقليدية شهدها العمل السياسي في الستينات والسبعينات، أساليب أظهرت لنا اليوم آثارا سلبية يتوجب علينا الاجتهاد لكيلا تظهر لأجيال قادمة!