نشرت في
2020/04/13 و تم طلب نسخة الطباعة في
2024/10/14
نشر في
[القبس]
بين تنبؤ سابق وواقع حاضر، للأسف، يأتي «قانون الدين العام» مصيرا لا مفر منه، بين ردود أفعال عشوائية وعراقيل تأثيرية تقصد منافع شخصية. اليوم، وجب أن ندرك جميعا أن مطالباتنا السابقة في تحقيق الاستدامة الاقتصادية لم تأتِ عبثا. فالاستدامة الاقتصادية هي الحل وهي البداية لتصحيح المسار وتجنب سلك بداية النهاية الذي نراه اليوم عندما أصبح تطبيق «قانون الدين العام»، أو «قانون السحب من احتياطي الأجيال القادمة»، أو «خفض قيمة الدينار الكويتي»، أو كلاها، مسألة وقت لا أكثر، ولكن، ما زال الأمل موجودا.
بين الدين العام والأجيال القادمة
نطرح السؤال للأخوة النواب، في حال عدم الموافقة على قانون الدين العام، فهذا يقتضي أيضا عدم موافقتهم —من حيث المنطق نفسه— على قانون الانتفاع من صندوق الأجيال القادمة كون أن الفرق بينهما يتلخص في أن الدين يلزم الحكومة بإعادة المبلغ المقترض، لكن السحب من صندوق الأجيال القادمة أو الانتفاع من عوائد استثماراته لا يلزمها بإعادة المبلغ المأخوذ منه.
إن الموافقة على قانون الانتفاع من صندوق الأجيال القادمة أشد ضررا من الموافقة على قانون الدين العام، تزامنا مع افتراضنا بإلمام النواب أن انخفاض التصنيف الائتماني أمر طبيعي إذا ما تناقصت الأصول بصندوق الأجيال القادمة، كما أن فائدة الدين في الأوضاع الراهنة —الأزمة الصحية والنفطية— أقل تكلفة على الدولة من تسييل بعض الأصول بخسارة في صندوق الأجيال القادمة أو الاحتياطي العام. فما هو الحل الأمثل في ظل هذه الظروف الراهنة؟
يجب أن يعي كل من يعارض قانون الدين العام، أن العجز في مارس ٢٠٢١ يقدر بـ ١٤ مليار دينار كأفضل سيناريو! فكيف يخطط لإغلاق عجز فعلي متوقع؟ وفي حال تعثر قانون الدين العام أو قانون استغلال صندوق الأجيال القادمة، فهل يعلم النواب بأن الجهاز الحكومي لن يجد أمامه سوى خفض قيمة الدينار الكويتي لسد عجز الميزانية؟
الاستدانة الصحية وغير الصحية
إن الآلية المحققة للزيادة المستدامة في إجمالي الناتج المحلي تتم من خلال الاستثمار وزيادة الصادرات وتقليل الواردات، أو كليهما بتحفيز الصناعات المحلية الهادفة للاكتفاء الذاتي، وصنع استهلاك خارجي.
ولتحقيق ذلك لا بد من تحمل تكلفة، وخلق بيئة مناسبة، إما بالأخذ من الاحتياطيات أو بزيادة الدين. هذا وتعد نسبة الدين العام المقدر بـ ٣٠٪ من إجمالي الناتج المحلي صحية إذا ما تم توظيفها لزيادة إجمالي الناتج المحلي سنويا، بما يخفض من نسبة الدين العام للسنة التي تليها مقارنة بارتفاع إجمالي الناتج المحلي الجديد. لكن إذا تم أخذ الدين بنسبة ٣٠٪ دون رفع إجمالي الناتج المحلي سنويًا، فهنا لا يعد الأمر صحيا.
قانون الزيادة السنوية للإيرادات غير النفطية
يشكل معدل الدين العام في الكويت ١٨٪ من إجمالي الناتج المحلي، والتخوف من زيادته ناتج عن كوننا لسنا دولة صناعية، فمتى ما شُرِع قانون يتزامن مع قانون الدين العام، ويكفل زيادة الإيرادات غير النفطية بما نسبته ٥٪ من إجمالي الإيرادات سنويا، على أن تكون الزيادة من الضرائب والرسوم للقطاعات المعنية بالتصدير الصناعي وتبعاته، فسيكون هناك ارتفاع متزامن بإجمالي الناتج المحلي، فلو ارتفع إجمالي الدين العام وارتفع إجمالي الناتج المحلي فنسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي لن تزداد إذا كان ارتفاعا صحيا.
يأتي القانون المنشود لصنع بيئة قابلة للمحاسبة وتحسين المسار الاقتصادي، بسبب انخفاض ثقة العامة ببرنامج حكومي واضح لتطبيق الآلية الصحيحة، فعند صياغة القانون —الزيادة السنوية ٥٪ للإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات— بمنهجية واضحة وبخطة ورؤية حازمة تلزم الدولة برفع إيراداتها غير النفطية وسن عقوبات عدم تنفيذ مشددة، ستجبر مؤسسات الدولة على توفير مواردها لصنع بيئة صناعية واقتصادية، تحقق الإنتاج، وترفع ناتج الصادرات بشكل مستدام، جاذبة الاستهلاك الخارجي، وعلى استعداد تام لتحمل الضرائب والرسوم.
وبالاستمرارية، تتحقق الزيادة التراكمية في الإيرادات غير النفطية تزامنا مع الارتفاع الصحي بإجمالي الناتج المحلي، ويضمن المواطن بأنها ليست المبالغ المقترضة وحسب، إنما الحكومة بجميع مواردها المالية والإدارية ستكون جهودها مكرسة لتحقيق الهدف المنشود (الاستدانة للاستثمار لا الاستهلاك).
التوصية
إن المشاريع الداعمة للاستدامة الاقتصادية بمفهومها الفعلي تكفل لنا أن نعمل ونستهلك الموارد دون التأثير على موارد الأجيال القادمة، وعليه فإن إيرادات النفط والمشاريع المتعلقة به، ومحطات الطاقة لا تدعم الاقتصاد المستدام، إذ إنها —من منطلق الاستدامة الاقتصادية— لا تزيد الصادرات ولا تقلل الواردات!
لذلك، وفي ظل ارتفاع تكلفة الاستمرارية خلال فترة وباء «كورونا»، وانخفاض سعر برميل النفط، ونظرا لكفاءة جدوى قانون الدين العام بشكل يفوق نظير قانون استغلال صندوق احتياطي الأجيال القادمة، نوصي النواب بالموافقة على قانون الدين العام بشرط تعهد حكومي بقانون رفع نسبة الإيرادات غير النفطية بمعدل ٥٪ سنويا من إجمالي الإيرادات، ابتداء من ٢٩ مارس ٢٠٢٢، على أن يكون هذا الارتفاع نتيجة للزيادة في ناتج الصادرات فقط.
يشهد الله ومنابر النشر من صحف ومواقع تواصل اجتماعي بتحذيرنا لسنين طويلة بأن ما ننهجه كفيل بحرق صناديقنا، وجرنا لحال دول انهار اقتصادها بالكامل. ولكن لا مجيب، إذ يُهمش أصحاب الاختصاص كالعادة، والعتب في ذلك لا يقع على أبواب يغلقها مسؤول حكومة أو نائب؛ إنما يصل ويتأصل مشكلة لنظام كامل مكنهم من تهميش رأي المختصين معززا انتفاعهم، وما نشهده اليوم خير مثال للنتائج.. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.