نشر في
إن الثغرات التي نلمسها في بعض التشريعات بدستور بلادنا، والممارسات التجاوزية التي تعدت حدود الأعراف العامة، تجعل من ارتفاع مرتبة الفرد في الهرم الإداري مؤشرا على أمر لا شبهة فيه، وهو توسع دائرة نفوذه وسلطته، ويترتب على ذلك توسع نفوذ من هم أدنى منه في هذا الهرم.
وإن كنا نؤكد هنا عمق الضرر الذي تلحقه مثل هذه الممارسات في المصلحة العامة، وأن تكلفة هذا التخاذل والممارسات التجاوزية، التي تعدت حدود الأعراف بتشويهها للمبادئ الصحيحة وطمسها لهوية العدالة وملامح المساواة، باهظة الثمن.
وإن كانت الغاية تبرر الوسيلة، فلا مبرر لتلك الممارسات ولا جدال في أصل مقصدها، كون غايتها وهدفها الأول هو تثبيت مرتبة الفرد، أو رفعها في هذا الهرم الإداري. ويعود أصل تكونها، ويمكن تفسير تصرفاتها من انعكاس تحالفات جماعية بين أفراد ذوي مراتب مختلفة تعمل ليسطع نجم أهدافها المشتركة، ساعية إلى تحقيقها بغرض رفع مستواها المعيشي، وزيادة قوة تغلغلها و«تغولها» في النفوذ والسلطة.
والمسوغ الذي تعلق عليه هذه الفئة منطق أفعالها وتصرفاتها في هذا الهرم الإداري– وفق آرائهم الشخصية– يعود لشراسة المنافسة والصراع في القتال، سعيا للبقاء تحت ظلال هذه المظلة التي تكفل لهم كسب الغنائم وتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة الذاتية.
تلك الممارسات قادت الموقف بالتأثير بشكل سلبي في المجتمع، عاكسة صورتها البشعة على اقتصاده وسياسته وثقافته، متفاقمة كلما زاد تأثيرها السلبي نظرا لطبيعة حالها العودية. وبناء عليه، فإن السياسة الكويتية في الداخل أصبحت أقرب إلى ما يسمى بـ«شاي الضحى»؛ إذ أصبح الشغل الشاغل لكل سياسي هو تأييد أو نقد كل ما يصرح به أي سياسي آخر في الساحة، فتراه متأهباً لاتخاذ موقفه تجاه مختلف القضايا المتداولة، إما عن طريق ارتجال في برامج التواصل الاجتماعي، أو من خلال عقد مؤتمر صحافي، أو توجيه سؤال برلماني، أو استجواب لطرف حكومي.
فهل لـحزاوي «شاي الضحى» أي نية أو تأثير في إحداث الإصلاح الحقيقي؟ أم أنها أداة استغلالية للارتقاء سياسيا في هذا الهرم الإداري من خلال تعاطي قضايا البسطاء في هذا الهرم والتسلق بها لنيل مبتغى راويها؟ أما بسطاء الهرم فهم ليسوا أفضل من السياسيين فيه! إذ هم أيضا يسلطون نفوذهم على بسطاء آخرين بغرض الضغط على هؤلاء السياسيين لتبني قضايا غير مستحقة، وذلك من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن مما يتم توزيعه من ريع الصادرات النفطية.
ولا بد أن ينتج عن كل تلك الأفعال ردود أفعال تشعل فتيل الإحساس بالظلم لدى كل مواطن. ومرادي بالمواطن هنا كل فرد من أفراد هذا الهرم الإداري، مهما ارتفع أو انخفض في رتبته. وفي كل مرتبة يتسلسل عدد من المنافسين، يزدادون كلما انخفضت المرتبة، تبعا لذلك يزداد معدل الشعور بالظلم بشكل طردي كلما انخفضت المرتبة. وعلى الرغم من ذلك، حتى الأفراد الذين يشغلون المراتب العليا من الهرم ينتابهم الشعور بالظلم كذلك، هذا الشعور الذي يترجم عجزهم أمام التحديات التي تدفعهم لمزيد من العجز، وتحول بهم دون تثبيت هذا الهرم وكفالة رصانته ومتانته. ولا شك في أنهم لن يشعروا بشعور مماثل كهذا لولا تأثيره المباشر على ضعف رتبهم في ذلك الهرم.
ما كان لشعور الظلم هذا، إلا أن يجعل كل فرد من أفراد هذا الهرم يقاتل وفقا لصلابته، ورباطة جأشه، وحدة مخلبه تحت ضوء إمكاناته وفرصه المتوافرة. فسيف المواطن البسيط مثلوم جراء ارتفاع معدل إيجارات الشقق السكنية في المناطق الداخلية، إذ إن طموح المواطن لا يتخطى الحلم بوظيفة حكومية لا تستدعي منه سوى أن يسجل دخوله وخروجه يوميا منها، من دون إنتاجية تذكر، أو إضافة ذات قيمة، ليتفرغ بدوره لمتابعة مشروعه التجاري الخاص، وبذلك يحصل على راتب حكومي ومدخول شهري آخر. وعلى الجانب الآخر، فإن من هو في مرتبة أعلى، ممن يملك عقارات اقتناها بأسعار عالية في وقت مضى، قد يسعى جاهدا لمنع تحرير أراض سكنية كي لا ينخفض معدل إيجارات عقاره التي قد يسكنها ذلك المواطن البسيط. وخذ ذلك كمثال عابر تقاس عليه شتى أمور الحياة في المجتمع الكويتي.