نشر في
بات استياء أغلبية الكفاءات جليّاً للعيان، إلا من رحم ربي، تلتفت فتبصر الواحد منهم منشغلاً في مجاله، يبدع فلا يتوقّف، يوما تلو الآخر، يترقّب لحظة يجمع فيها حصاد عمله المتوافق مع مبادئه من دون تحالفات تعارضه. يطول انتظاره، ويطول، إلى أن يستدرك اللعبة وقد سار به العمر وانتصف به زمانه. تلتفت الى صوت آخر، يعلن ظهور كفاءة أخرى، جديدة، تبدع، وعلى نفس «الرتم» يعلو الشجن يلحن «سيمفونية» المشوار ذاته، يوثق ثقافة الإحباط، لجيل بعد جيل، إلا من رحم ربي.
توقفنا علامة الاستفهام: من هم الكفاءات؟ ولماذا استوجب علينا اعتبار رأيهم في دولة تحصد ثمار إيراداتها النفطية، سواء بسواعد كفاءاتها أو عديميها؟ لتجعل الجميع سواسية متغاضية عن كفاءاتهم، وكرد فعل للحفاظ على المساواة في ما بيننا تتفشّى الغيرة؛ لإحباط جهود من تميّز، إلا من رحم ربي.
غيرة مستترة، يظهرها تحبيط الأفعال، وإسرائيليات الأقوال.. على شاكلة: «محمد اليوسفي» ممتلئ بالآراء الطائفية، و«سعود السنعوسي» فارغ من الإبداع إثر تأدلجه بأفكار كتّاب تميّزوا في الغرب. وهلم جرا. تلتفت لتبصر لسان الناقد، فلا ترى فيه تميّزاً يذكر، يلوح لك بريق فراغه، إلا من رحم ربي!
«دواؤنا فينا وما نبصر.. وداؤنا منا وما نشعر» ونحن الداء الذي يمرض الإبداع في ربط الأحداث التاريخية والسياسية وتحليلها، فلا فخر إذ أصبحت سلسلة مؤلفات تاريخ الكويت توشك أن تكون مرجعا لسيرتها! ونحن الداء للنتاج الأدبي، نعيب إبداعات تصدّرت قوائم عدة لجوائز أدبية عالمية وعربية، فلا فخر إذ أصبحت «ساق البامبو» و«فئران أمي حصة» أيقونتَي المخرج الروائي العربي اليوم!
ولا عجب في عجز قدرتنا عن أن نضيف للوطن مثلما يضيف هؤلاء، ولكن العجب العجاب أن نعاديهم، فنعد العدة، سلاحها الغيرة المستترة، هدفها إحباطهم والتثبيط من عزمهم وإطفاء وهج تميّزهم، فقط كي لا يراهم من هو أعلى منا رتبة. كيف لا وهذا ما يهدد نيلنا لمنافع يبلغونها نحن أوجب بها، نتحزب، تنقسم الصفوف، خذوا وابلا من الأقوال والأفعال المعادية. فلسنا ممن يشيد بإضافة وطنية، إلا إذا كانت ضمنية في صفوف سلطتنا.
وعلى هذا النحو نستمر، يوما تلو الآخر، إلى أن تتميز صفوفنا فقط، ويصبح التميّز والإبداع والإنتاج والتطوير في صفوف أخرى أمراً غير معتبر، ولا معنى له أو انعكاس لرفع علم وطننا. فيكون الأجدر بكل كفاءة اجتهدت أن توالينا، أو تتميّز سياسيا واجتماعيا وثقافيا بين سلسلة من رتب افتقرت العقل والمنطق والمعرفة، نستغلها ونؤدلجها تارة، ونضطهدها تارة أخرى، إلا من رحم ربي.